تم نشره في جريدة الصباح في 5 جوان 2005
1– مجتمع المعلومات : لماذا ؟
قد
يبدو من المغالاة اعتبار مجتمع المعلومات أحد أهم محاور الاهتمامات على الصعيد
العالمي وتمكينه من دور أساسي في الخيارات السياسية واستراتيجيات التنمية
الاقتصادية والتربوية والاجتماعية للعشريات الأولى من هذا القرن الجديد والحال أنّ
من أهمّ مميّزات الإنسان قدراته الهائلة على التخاطب وتنوّع أدوات الاتصال التي
طوّرها عبر تاريخه الطويل على وجه البسيطة. ولعلّ في قدرة الإنسان على التواصل مع
أبناء جنسه بوسائل متعدّدة كالكلام والكتابة وأنواع الفنون يكمن سرّ تميّزه وبناءه
لحضارات عظيمة عبر التاريخ وهو ما يدفعنا إلى التساؤل : لماذا نتحدث الآن بصفة
مركّزة على مجتمع المعلومات ؟؟؟
إنّ
تطوّر التحكّم في المعلومات في بداية هذا القرن نتج عن تلاقي عديد التكنولوجيات
الذي جعل كلّ أنواع الوثائق المعلوماتية من نصّ وصوت وصورة تندمج في صياغة موحدة
هي الصياغة الرقميّة وتنتقل عبر الشبكات السلكية واللاسلكية بصفة آنية
مع المحافظة على جودتها كاملة.
وقد
أحدثت الثورة الرقمية الناتجة عن هذه القدرة الهائلة على معالجة المعلومات
وتراسلها تأثيرا جذريا على كل أوجه النشاط السياسي والاقتصادي و العلمي والتربوي
والاجتماعي.
ولا
يخفى على أحد اليوم أن السيطرة والتحكم في
المعلومة هي من أهمّ مقوّمات القوّة العسكرية والسياسية والعلمية
والاقتصادية والثقافية. فالولايات المتّحدة الأمريكية تهيمن على أغلبية الأقمار
الاصطناعيّة التي تراقب الكرة الأرضية باستمرار وتوظّف كمّا هائلا من الآليات
والموارد البشريّة لمعالجة المعلومات التي ترسلها تلك الأقمار. والولايات المتحّدة
الأمريكيّة طوّرت شبكة الأنترنيت في مخابر البحث ثمّ وسّعت استعمالها بكافة أنحاء
العالم. ولا تزال هذه الشبكة تخضع من ناحية المحتوى إلى هيمنة الثقافة الأمريكيّة
وتمثّل وسيلة تدعم وتروّج المنتجات الأمريكية.
وهذا
الوضع ينطبق أيضا على البرامج التلفزيّة والأفلام السينمائية التي تنتج أساسا في
أمريكا وتوظف تقنيات باهرة مما يساعد على تسويقها في مختلف أنحاء العالم مدرّة أرباحا
طائلة للصّناعات الأمريكيّة ومروّجة لثقافة أمريكا.
ومن
بين المنتجات الأخرى للثورة الرّقميّة يمكن الإشارة إلى الهاتف الجوّال الذّي أصبح
متداولا بفضل تلاقي تكنولوجيات الاتصال مع التطّور الهائل لطاقة الحواسيب على
معالجة المعلومات وتخزينها. ومن البديهي أن
تعود كلّ هذه المبتكرات التكنولوجية بفوائد لمبتدعيها في حين لا يسع البلدان
الفقيرة إلاّ لعب دور المستهلك للمعدات والمستهدف للغزو الثقافي.
2- التحدّي !
إن
التطور الهائل لإمكانيات التحكّم في المعلومات يمثل في نفس الوقت فرصة للتنمية
وخطرا محدقا بعديد الشعوب والأفراد. ويتمثل التحدي في القدرة على امتلاك كل مكونات
منظومة المجتمع المعلوماتي والانصهار في الاقتصاد المعولم مما يمكن من الانضمام
إلى الشق الذي ينتفع بتداعيات الثورة المعلوماتية.
والخطر
هو الإخفاق في حث الخطى والتمركز في هذا الفضاء العالمي. وقد سميّ هذا الشرخ بين
من يمتلك التكنولوجيا الرقميّة ومن لا يمتلكها بالفجوة الرقميّة. هذه الفجوة التي
تبرز على مستويين : من ناحية على مستوى الأقطار ومن ناحية أخرى وفي قطر واحد تبرز
على مستوى المجموعات والأفراد.
كل
هذه المتغيرات التي أنتجتها الثورة الرقميّة دفعت إلى عقد قمة عالميّة حول مجتمع
المعلومات في دورتين تمت أولاهما بسويسرا في ديسمبر 2003 وتنعقد الثانية في
تونس في نوفمبر 2005 قصد بحث مدى التأثير المرتقب من هذا التطوّر
التكنولوجي السريع على الشعوب وعلى مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية واستجلاء المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها الشعوب الأقلّ حضّا أمام ارتفاع قدرة الدول
المتقدّمة على مسك كلّ آليات النموّ ومن ثم وضع خطة لتقليص الفوارق بين الشعوب
والأفراد.
3
–كيف الانصهار في مجتمع المعلومات ؟
كما يتبين لنا مما سبق ذكره، يمثّل بروز مجتمع
المعلومات حلقة طبيعيّة للتطور الذي تشهده المجتمعات الماسكة بقدر كبير من
التكنولوجيات الحديثة وطرق الإدارة المحكمة كأمريكا الشماليّة واليابان. وقد نمى
هذا المجتمع المعلوماتي بتضافر جهود القطاعين العام والخاص في هذه الأقطار. وتمثل
أوروبا أحد أمثلة المجتمعات التي تخلّفت قليلا على بدايات الثورة المعلوماتيّة
لكنها تنبّهت إلى ذلك التأخر منذ أواسط التسعينات وأدركت الضّرر الذّي يمكن أن
يلحقها ويقلصّ دورها على الصعيد العالمي إن هي لم تنصهر في مجتمع المعلومات.
وفي هذا الإطار وضعت عديد الدّول الأوروبية
برامج هادفة لتدارك الوضع وتركيز مقوّمات مجتمع المعلومات ونذكر منها البرنامج
الحكومي الفرنسي من أجل مجتمع المعلومات
(Programme d’Action Gouvernementale pour la Société de l’Information – PAGSI)
الذّي
انطلق سنة 1997 والبرنامج
المماثل الذّي ركّزته إدارة توني بلار ببريطانيا حال توليها السلطة. كما أنّ المفوّضيّة
الأوروبية وضعت برنامج عمل أوروبي يدعى إأوروبا 2002 (eEurope2002) وأردفته ببرنامج موالي إأوروبا 2005
(eEurope2005) يحدّد أهدافا واضحة إلى حدّ أفق 2005 ويطالب الدّول المكوّنة للمفوّضيّة بإنجازها.
ولعلّ الانتباه إلى هذا
التمشّي الأوروبي يجعلنا نستخلص عبرة أساسيّة وهي ضرورة الدّعم الحكومي لإقامة
مجتمع المعلومات وضرورة الرّفع من هذا الدّعم كلّما تفاقمت الفجوة التكنولوجيّة.
وقد يتبادر إلى أذهان
البعض أنّه بالإمكان اللّحاق بسرعة بركب الدّول المتقدّمة بالمسك السريع
بالتكنولوجيات الحديثة للمعلومات وهو ما يسمّى عادة "المختصر
التكنولوجي".
ويدعم أصحاب هذه الفكرة
رأيهم بالقول أن تكنولوجيات المعلومات لا تتطلّب آليات باهظة الثمن بل ترتكز أساسا
على الموارد البشريّة.
لكنّ الواقع المعاش يبيّن
أنّ هذا "المختصر التكنولوجي" لا يعدو أن يكون وهما إذا لم تترجم الإرادة
السياسية لدفع مجتمع المعلومات إلى برامج واضحة ومموّلة ومرتبطة بآجال محدّدة
للتنفيذ.
فالفاحص لحقيقة مجتمع
المعلومات يلاحظ أنّه يستوجب السيطرة على مختلف مكوناته وأهمها :
1– إنتاج المحتوى وصياغته
2– تركيز شبكات الاتصال وتوفير خدمات الاتصالات والانترنيت بجودة عالية و بأسعار
تتناسب مع الطاقة الشرائية للمواطن وللمؤسسة الاقتصادية
3– تيسير اقتناء الأجهزة الطرفية بمختلف المؤسسات التعليمية والاقتصادية ولدى
عموم المستعملين.
وتجدر الملاحظة أنّ مختلف هذه العناصر متّصلة
ببعضها اتّصالا وثيقا في شكل عقد مترابط الحلقات بحيث إذا انقطعت إحدى هذه الحلقات
أو تراجع نسقها حدث تفكّك العقد بأكمله وبالتاّلي انقطاع وتدهور الخدمة المقدّمة
أو اندثار المعلومة المعدة للنشر عبر قنوات التكنولوجيا الرقمية.
كما تبيّن أن تركيز أنظمة
معلوماتية لا يمكن أن يقع صلب هياكل غير محكمة التنظيم ويتطلّب أوّلا وبالذّات
إعادة هيكلة المؤسسة المعنية بالتأهيل"الرقمي" ومراجعة دقيقة لمختلف
مكوّناتها و قدرة عالية على توظيف الكفاءات بها.
وفي هذا الإطار يمثّل
تدخّل الدّولة لدفع إدماج التكنولوجيات الحديثة في المؤسسات العمومية و للمساعدة
على تركيزها بالمؤسسات الخاصة ولدى العموم عنصرا أساسيّا خاصّة أنّ التحدّي لا
يتوقّف في مستوى المسك بالتكنولوجيا المتوفّرة بل يتجاوز هذا الحدّ ويتطّلب وضع هياكل
يقظة و متابعة لنسق التطوّر السريع لتكنولوجيا المعلومات.
ويمكن تبويب تدخل الدولة
إلى ثلاث عناصر أساسية هي أولا وضع البنية التحتية من شبكة اتصال و غيرها من
المعدات الضرورية للارتباط و ثانيا تأهيل وتكوين الموارد البشرية حتى يتسنى التحكم
في هذه التكنولوجيا و تطويعها إلى المعطيات المحلية وثالثا إصلاح التنظيم الإداري
بالمؤسسات العمومية بطريقة تمكن من الإدراج المحكم للوسائل الجديدة لمعالجة
المعلومات ضمن المنظومة الإدارية وتساعد على الاستفادة منها للرفع من سرعة و نجاعة
الخدمات مما يجعل من تكنولوجيا المعلومات وسيلة لدفع الاقتصاد. ويتطلب إنجاز مشروع
الانصهار في مجتمع المعلومات وضع خطة متكاملة تشمل مختلف الجوانب التي تم
ذكرها وغيرها من الإصلاحات ذات الصبغة الإجرائية والقانونية وضبط روزنامة
دقيقة لمختلف مراحلها ورصد الموارد المالية الضرورية لتنفيذها واتخاذ إجراءات
عملية لإدخال المرونة اللازمة في التصرف في الموارد المالية و
انتداب وتسيير الموارد البشرية.